هي طفلة بلا عنوان… ولدت في كل مكان تولد فيه الآلام…
ولدت بين السلام والقتال… بين الحياة والموت… ولدت في حي أطفاله ينضجون وكباره يلعبون …
يتجاهلها المارة كما لو كانت غير مرئية… وهل من شعور أقصى من التجاهل؟
إسمها فرح وعمرها 8 سنوات…
هي يتيمة تعيش على الأرصفة بين أنياب وحوش البشر وشفقة الجهلة… هي يتيمة بسبب لعب الكبار الذي انتزع منها حنان الام وضحكة الأب ودفء المنزل وفرح العيد وأمل المستقبل… هي يتيمة الأهل ويتيمة الإنسانية…
يخزّن وجهها الداكن أشعة الشمس وقذارة البشر عساه يشع نوره يوماً ليمسح خطاياهم ويعكس لهم تفاهاتهم واخطائهم المتكررة…
تراها حافية القدمين تمشي مهرولة إلى جهة تجهلها… تركض عسى هذا الكابوس ينتهي وتستيقظ لتعود إلى حضن والديها… فهي واثقة بأن كل ماتراه هو كابوس لأنه من المستحيل أن يحمل الواقع ألماً بهذا الحجم وشراً يُخْجِل الشيطان…
تهرب من النهار خاشية الليل وتتمنى لو يحل شيء آخر مكانهما… فهي لا تميز بين ظلام الليل وظلم الفجر بل تتسائل لماذا تشرق الشمس على ظلم البشر؟ ولماذا لا تغيب الشمس إلى الأبد؟ فمن المؤسف أن يحل الفجرعلى قلوب لا ترى النور…
تفترش الأرض وتغطيها السماء وتغمض عيناها بقوة محاولة الهروب من الحياة ومن الموت… فهي تحتقرهما لأنهما رأس واحد بوجهين…
تنام لتهرب إلى عالم آخر تحلم به وتحاول الإصغاء بجهد إلى صوت أليف يأتي من البعيد البعيد… صوت أمها… ضحكة أبيها… موسيقى المزمار والطبل… تغمض عيناها فترى النور… تداعب الريح وجهها الملائكي…
تشعر بأنها غير مرئية وعلى عكس حزنها حينما يتجاهلها المارة، تنتابها قشعريرة لطيفة ترسم ابتسامة على شفتيها الجافتين… تعانق نفسها علها تلمس روح أمها وتشعر بدفء حنانها فتغفو بسلام نادر وهي تسمع بداخلها صوتها الرقيق يكرر كلماتها العذبة التي كانت تهدهدها في زمن مضى:
“صلي معي يا صغيرتي… ناجي الرب وقولي:
أناجيك يا رب أن ترحم ذوي القلوب المتحجرة وأن تملأ قلوبهم الباردة بالدفء…
أناجيك يا رب أن تخفف آلام الموجوع وأن تشفي المريض…
أناجيك يا رب أن تطعم الجائع وأن تشبع الطماع…
أناجيك يا رب أن ترحم الفقراء وتحنن الاغنياء…
أناجيك يا رب أن تزيد الورود وتزيل الحروب…
أناجيك يا رب أن تزرع المحبة والإيمان…
نوّر يا رب طريق غرباء هذا العالم فيجدون وطناً يأويهم على هذه الأرض…
اشفق يا رب وارحم البشر من الشر الذي يلوث الحقول المثمرة بالألغام القذرة…
اشفق يا رب على خلقك وارحمهم بعطفك…
اشفق يا رب …
لا تتخلي يا صغيرتي عن الايمان حتى لو شعرت بأنه تخلى عنك…
انظري يا صغيرتي إلى السماء وإحلمي… انظري يا صغيرتي إلى النجوم ولتكن أحلامك عذبة كنورها…
فلتكن قدراتك كبيرة كقدرتها الهائلة على إنارة الآلاف من الكواكب وتمثلي بتواضعها بخفت نورها أمام نور القمر الوحيد…
انظري إلى عظمة الخالق وسحر السماء التي شهدت ولادة الحياة منذ البداية وحفظت أسرار الكون …
انظري يا صغيرتي إلى السماء وإحلمي…ثم نامي يا صغيرتي فالآتي أجمل…
نامي يا صغيرتي فغدا تستيقظين وتشاهدين السماء ترقص على أنغام العصافير وتنامين على همس سكون الليل…
نامي يا صغيرتي… نامي ولتكن أحلامك جميلة وواقعك اجمل…
One comment