زهرة الشتاء 20.09.2012

زهرة الشتاء
سكبت الشمس على المدينة نوراً لطيفاً رحوماً بعد ليلة سوداء مخيفة وبرد قارس مريع.
خرجت عجوز من منزلها المنسي في أحد شوارع بيروت القديمة حاملة بيَد سلة أزهار تلوّن شحوب السماء وبيَد اخرى عصا تحمل معها ثقل السنين التي طوت أياماً لم يبق منها سوى ذكريات وعِبَر، والهواء المبلل برائحة الطين والحطب المحروق في المدافئ يداعب منديلها فتسارع الى إخفاء شعرها الابيض النقي.
اقتربت المرأة من شاب جالس على مقعد في حديقة عامة .
– سيدي، أتوسل إليك، ساعدني بـشراء وردة ترضي بها حبيبتك.
– ابتعدي عني ودعيني ووحدتي.
– هذه زهرة الشتاء عساها تدفئ القلوب الباردة وتنير الدروب السوداء.
– قلت لك أن تتركني يا قذرة! دعيني وشأني!
– من فضلك يا سيدي … فقط وردة! فهذه الزهرة هي أملي الوحيد الذي يساعدني على الإستمرار… من فضلك! فأنا مثلها اصارع شتاء عمري …
حاولت عندها العجوز أن تلطّف قلب الشاب فاقتربت منه ووضعت له زهرة في يده فسارع الى رميها بنفور واخذ السلة منها ورماها على الأرض وصرخ:
– لا تلمسيني، يا امرأة! عودي من حيث أتيت ودعيني وشأني! أنت مثيرة للاشمئزاز وقذرة!
نظرت العجوز إلى عيني الشاب بخيبة وعادت إلى منزلها بمشية ثقيلة متكئة على عصاها مكسورة الخاطروعيناها الغائرتان في وجهها تميلان حزناً وألماً نحو الأرض غاسلة تجاعيدها بدموع الأسى والكآبة…
عادت العجوز إلى وجعها ووحدتها وفقرها وجوعها وأحلامها الأخيرة التي تتناثر كل ليلة وراء أفق مشارف اللحظة الأخيرة حين تطفئ نور عيونها وترحل ببساطة وسط الظلام والظلم.
جلست أمام الموقد وحملت في يدها صورة زوجها وابنتها شهيدي الحرب المشؤومة والدمعة على خدها. قبلت الصورة بشفتين مرتجفتين وصارت تشدها الى صدرها كأنما كانت طفلتها التي تخبرها أن ثمة في البعيد في البعيد جداً وراء كل تلك العيون الثاقبة والألسنة السامة والقلوب المتحجرة أناساً أحبوها بصدق وعانقوها بمحبّة وشاطروها الحزن والجوع والألم وودّعوها بـصمت السماء تحت وحشية البشر…

دينا الحجار

Image

Leave a Reply